فصل: تفسير الآيات (122- 123):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أنوار التنزيل وأسرار التأويل المشهور بـ «تفسير البيضاوي»



.تفسير الآية رقم (120):

{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120)}
{وَلَن ترضى عَنكَ اليهود وَلاَ النصارى حتى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} مبالغة في إقناط الرسول صلى الله عليه وسلم من إسلامهم، فإنهم إذا لم يرضوا عنه حتى يتبع ملتهم، فكيف يتبعون ملته. ولعلهم قالوا مثل ذلك فحكى الله عنهم ولذلك قال: {قُلْ} تعليماً للجواب. {إِنَّ هُدَى الله هُوَ الهدى} أي هدى الله الذي هو الإسلام هو الهدى إلى الحق، لا ما تدعون إليه. {وَلَئِنِ اتبعت أَهْوَاءهُم} آراءهم الزائفة. والملة ما شرعه الله تعالى لعباده على لسان أنبيائه، من أمللت الكتاب إذا أمليته، والهوى: رأي يتبع الشهوة {بَعْدَ الذي جَاءَكَ مِنَ العلم} أي الوحي، أو الدين المعلوم صحته. {مَا لَكَ مِنَ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} يدفع عنك عقابه وهو جواب لئن.

.تفسير الآية رقم (121):

{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)}
{الذين ءاتيناهم الكتاب} يريد به مؤمني أهل الكتاب {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ} بمراعاة اللفظ عن التحريف والتدبر في معناه والعمل بمقتضاه، وهو حال مقدرة والخبر ما بعده، أو خبر على أن المراد بالموصول مؤمنوا أهل الكتاب {أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ} بكتابهم دون المحرفين. {وَمن يَكْفُرْ بِهِ} بالتحريف والكفر بما يصدقه {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخاسرون} حيث اشتروا الكفر بالإيمان.

.تفسير الآيات (122- 123):

{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (122) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (123)}
{يابنى إسراءيل اذكروا نِعْمَتِى التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنّى فَضَّلْتُكُمْ عَلَى العالمين} {واتقوا يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شفاعة وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} لما صدر قصتهم بالأمر بذكر النعم، والقيام بحقوقها، والحذر من إضاعتها، والخوف من الساعة وأهوالها، كرر ذلك وختم به الكلام معهم مبالغة في النصح، وإيذاناً بأنه فذلكة القضية والمقصود من القصة.

.تفسير الآية رقم (124):

{وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)}
{وَإِذِ ابتلى إبراهيم رَبُّهُ بكلمات} كلفه بأوامر ونواه، والابتلاء في الأصل التكليف بالأمر الشاق من البلاء، لكنه لما استلزم الاختبار بالنسبة إلى من يجهل العواقب ظن ترادفهما، والضمير لإبراهيم، وحسن لتقدمه لفظاً وإن تأخر رتبة، لأن الشرط أحد التقدمين، والكلمات قد تطلق على المعاني فلذلك فسرت بالخصال الثلاثين المحمودة المذكورة في قوله تعالى: {التائبون العابدون} الآية وقوله تعالى: {إِنَّ المسلمين والمسلمات} إلى آخر الآية، وقوله: {قَدْ أَفْلَحَ المؤمنون} إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمُ الوارثون} كما فسرت بها في قوله: {فَتَلَقَّى ءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ} وبالعشر التي هي من سننه، وبمناسك الحج؛ وبالكواكب، والقمرين، والختان، وذبح الولد، والنار، والهجرة. على أنه تعالى عامله بها معاملة المختبر بهن وبما تضمنته الآيات التي بعدها. وقرئ إبراهيم ربه على أنه دعا ربه بكلمات مثل {أَرني كيف تُحيي المَوتَى} {واجعل هذا البلد امِنًا} ليرى هل يجيبه. وقرأ ابن عامر إبراهام بالألف جميع ما في هذه السورة. {فَأَتَمَّهُنَّ} فأداهن كملاً وقام بهن حق القيام، لقوله تعالى: {وإبراهيم الذي وفى} وفي القراءة الأخيرة الضمير لربه، أي أعطاه جميع ما دعاه. {قَالَ إِنّى جاعلك لِلنَّاسِ إِمَامًا} استئناف إن أضمرت ناصب إذ كأنه قيل: فماذا قال ربه حين أتمهن، فأجيب بذلك. أو بيان لقوله ابتلى فتكون الكلمات ما ذكره من الإمامة، وتطهير البيت، ورفع قواعده، والإسلام. وإن نصبته يقال فالمجموع جملة معطوفة على ما قبلها، أو جاعل من جعل الذي له مفعولان، والإمام اسم لمن يؤتم به وإمامته عامة مؤبدة، إذ لم يبعث بعده نبي إلا كان من ذريته مأموراً باتباعه. {قَالَ وَمِن ذُرّيَّتِي} عطف على الكاف أي وبعض ذريتي، كما تقول: وزيداً، في جواب: سأكرمك، والذرية نسل الرجل، فعلية أو فعولة قلبت راؤها الثانية ياء كما في تقضيت. من الذر بمعنى التفريق، أو فعولة أو فعيلة قلبت همزتها من الذرة بمعنى الخلق. وقرئ ذريتي بالكسر وهي لغة. {قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظالمين} إجابة إلى ملتمسه، وتنبيه على أنه قد يكون من ذريته ظلمة، وأنهم لا ينالون الإمامة لأنها أمانة من الله تعالى وعهد، والظالم لا يصلح لها، وإنما ينالها البررة الأتقياء منهم. وفيه دليل على عصمة الأنبياء من الكبائر قبل البعثة، وأن الفاسق لا يصلح للإمامة. وقرئ: {الظالمون} والمعنى واحد إذ كل ما نالك فقد نلته.

.تفسير الآية رقم (125):

{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)}
{وَإِذْ جَعَلْنَا البيت} أي الكعبة، غلب عليها كالنجم على الثريا. {مَثَابَةً لّلنَّاسِ} مرجعاً يثوب إليه أعيان الزوار أو أمثالهم، أو موضع ثواب يثابون بحجه واعتماره. وقرئ: {مثابات} أي لأنه مثابة كل أحد. {وَأَمْناً} وموضع أمن لا يتعرض لأهله كقوله تعالى: {حَرَماً ءامِناً} ويتخطف الناس من حولهم، أو يأمن حاجَّهُ من عذاب الآخرة من حيث إن الحج يجب ما قبله، أولاً يؤاخذ الجاني الملتجئ إليه حتى يخرج، وهو مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه. {واتخذوا مِن مَّقَامِ إبراهيم مُصَلًّى} على إرادة القول، أو عطف على المقدر عاملاً لإذ، أو اعتراض معطوف على مضمر تقديره توبوا إليه واتخذوا، على أن الخطاب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهو أمر استحباب، ومقام إبراهيم هو الحجر الذي فيه أثر قدمه، أو الموضع الذي كان فيه الحجر حين قام عليه ودعا الناس إلى الحج، أو رفع بناء البيت وهو موضعه اليوم. روي أنه عليه الصلاة والسلام أخذ بيد عمر رضي الله تعالى عنه وقال: «هذا مقام إبراهيم، فقال عمر: أفلا نتخذه مصلى، فقال: لم أومر بذلك، فلم تغب الشمس حتى نزلت» وقيل: المراد به الأمر بركعتي الطواف، لما روى جابر أنه عليه الصلاة والسلام: لما فرغ من طوافه عمد إلى مقام إبراهيم فصلى خلفه ركعتين وقرأ: {واتخذوا مِن مَّقَامِ إبراهيم مُصَلًّى} وللشافعي رحمه الله تعالى في وجوبهما قولان. وقيل: مقام إبراهيم الحرم كله. وقيل: مواقف الحج واتخاذها مصلى أن يدعى فيها، ويتقرب إلى الله تعالى. وقرأ نافع وابن عامر {واتخذوا} بلفظ الماضي عطفاً على {جَعَلْنَا}، أي: واتخذوا الناس مقامه الموسوم به، يعني الكعبة قبلة يصلون إليها. {وَعَهِدْنَا إلى إبراهيم وإسماعيل} أمرناهما. {أَن طَهّرَا بَيْتِيَ} ويجوز أن تكون أن مفسرة لتضمن العهد معنى القول، يريد طهراه من الأوثان والأنجاس وما لا يليق به، أو أخلصاه. {لِلطَّائِفِينَ} حوله. {والعاكفين} المقيمين عنده، أو المعتكفين فيه {والركع السجود}. أي المصلين، جمع راكع وساجد.

.تفسير الآية رقم (126):

{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)}
{وَإِذْ قَالَ إبراهيم رَبِّ اجعل هذا} يريد به البلد، أو المكان. {بَلَدًا آمِنًا} ذا أمن كقوله تعالى: {فِى عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} أو آمناً أهله كقولك: ليل نائم {وارزق أَهْلَهُ مِنَ الثمرات مَنْ ءامَنَ مِنْهُم بالله واليوم الآخر} أبدل من {مَنْ ءامَنَ} {أَهْلِهِ} بدل البعض للتخصيص {قَالَ وَمَن كَفَرَ} عطف على من {آمن} والمعنى وارزق من كفر، قاس إبراهيم عليه الصلاة والسلام الرزق على الإِمامة، فنبه سبحانه على أن الرزق رحمة دنيوية تعم المؤمن والكافر، بخلاف الإمامة والتقدم في الدين. أو مبتدأ متضمن معنى الشرط {فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً} خبره، والكفر وإن لم يكن سبباً للتمتيع لكنه سبب لتقليله، بأن يجعله مقصوراً بحظوظ الدنيا غير متوسل به إلى نيل الثواب، ولذلك عطف عليه {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إلى عَذَابِ النار} أي ألزه إليه لز المضطر لكفره وتضييعه ما متعته به من النعم، وقليلاً نصب على المصدر، أو الظرف. وقرئ بلفظ الأمر فيهما على أنه من دعاء إبراهيم وفي قال ضميره. وقرأ ابن عامر {فَأُمَتّعُهُ} من أمتع. وقرئ: {فنمتعه} ثم نضطره، و{إضطره} بكسر الهمزة على لغة من يكسر حروف المضارعة، و{أضطره} بإدغام الضاد وهو ضعيف لأن حروف (ضم شفر) يدغم فيها ما يجاورها دون العكس.
{وَبِئْسَ المصير} المخصوص بالذم محذوف، وهو العذاب.

.تفسير الآية رقم (127):

{وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)}
{وَإِذْ يَرْفَعُ إبراهيم القواعد مِنَ البيت} حكاية حال ماضية، و{القواعد} جمع قاعدة وهي الأساس صفة غالبة من القعود، بمعنى الثبات، ولعله مجاز من المقابل للقيام، ومنه قعدك الله، ورفعها البناء عليها فإنه ينقلها عن هيئة الانخفاض إلى هيئة الارتفاع، ويحتمل أن يراد بها سافات البناء فإن كل ساف قاعدة ما يوضع فوقه ويرفعها بناؤها. وقيل المراد رفع مكانته وإظهار شرفه بتعظيمه، ودعاء الناس إلى حجه. وفي إبهام القواعد وتبيينها تفخيم لشأنها. {وإسماعيل} كان يناوله الحجارة، ولكنه لما كان له مدخل في البناء عطف عليه. وقيل: كانا يبنيان في طرفين، أو على التناوب. {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا} أي يقولان ربنا تقبل منا، وقد قرئ به والجملة حال منهما. {إِنَّكَ أَنتَ السميع} لدعائنا {العليم} بنياتنا.

.تفسير الآيات (128- 129):

{رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129)}
{رَبَّنَا واجعلنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ} مخلصين لك، من أسلم وجهه، أو مستسلمين من أسلم إذا استسلم وانقاد، والمراد طلب الزيادة في الإخلاص والإذعان، أو الثبات عليه. وقرئ: {مُسْلِمِينَ} على أن المراد أنفسهما وهاجر. أو أن التثنية من مراتب الجمع. {وَمِن ذُرّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ} أي واجعل بعض ذريتنا، وإنما خصا الذرية بالدعاء لأنهم أحق بالشفقة، ولأنهم إذا صلحوا صلح بهم الأتباع، وخصا بعضهم لما أعلما أن في ذريتهما ظلمة، وعلما أن الحكمة الإلهية لا تقتضي الاتفاق على الإخلاص والإقبال الكلي على الله تعالى، فإنه مما يشوش المعاش، ولذلك قيل: لولا الحمقى لخربت الدنيا، وقيل: أراد بالأمة أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن تكون من للتبيين كقوله تعالى: {وَعَدَ الله الذين ءامَنُواْ مِنْكُمْ} قدم على المبين وفصل به بين العاطف والمعطوف كما في قوله تعالى: {خَلَقَ سَبْعَ سموات وَمِنَ الأرض مِثْلَهُنَّ}. {وَأَرِنَا} من رأى بمعنى أبصر، أو عرف، ولذلك لم يتجاوز مفعولين {مَنَاسِكَنَا} متعبداتنا في الحج، أو مذابحنا. والنسك في الأصل غاية العبادة، وشاع في الحج لما فيه من الكلفة والبعد عن العادة. وقرأ ابن كثير والسوسي عن أبي عمرو ويعقوب {أَرِنَا}.، قياساً على فخذ في فخذ، وفيه إجحاف لأن الكسرة منقولة من الهمزة الساقطة دليل عليها. وقرأ الدوري عن أبي عمرو بالاختلاس {وَتُبْ عَلَيْنَا} استتابة لذريتهما، أو عما فرط منهما سهواً. ولعلهما قالا هضما لأنفسهما وإرشادً لذريتهما {إِنَّكَ أَنتَ التواب الرحيم} لمن تاب. {رَبَّنَا وابعث فِيهِمْ} في الأمة المسلمة {رَسُولاًمِّنْهُمْ} ولم يبعث من ذريتهما غير محمد صلى الله عليه وسلم، فهو المجاب به دعوتهما كما قال عليه الصلاة والسلام: «أنا دعوة إبراهيم، وبشرى عيسى، ورؤيا أمي» {يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آياتك} يقرأ عليهم ويبلغهم ما توحي إليه من دلائل التوحيد والنبوة. {وَيُعَلّمُهُمُ الكتاب} القرآن. {والحكمة} ما تكمل به نفوسهم من المعارف والأحكام. {وَيُزَكّيهِمْ} عن الشرك والمعاصي {إِنَّكَ أَنتَ العزيز} الذي لا يقهر ولا يغلب على ما يريد {الحكيم} المحكم له.

.تفسير الآية رقم (130):

{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)}
{وَمَن يَرْغَبُ عَن مِلَّةِ إبراهيم} استبعاد وإِنكار لأن يكون أحد يرغب عن ملته الواضحة الغراء، أي لا يرغب أحد من ملته. {إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ} إلا من استمهنها وأذلها واستخف بها. قال المبرد وثعلب سفه بالكسر متعد وبالضم لازم، ويشهد له ما جاء في الحديث: «الكبر أن تسفه الحق، وتغمص الناس». وقيل: أصله سفه نفسه على الرفع، فنصب على التمييز نحو غبن رأيه وألم رأسه، وقول النابغة الذبياني:
وَنأْخُذُ بَعْدَهُ بِذنَابِ عَيْش ** أَجَب الظَّهْرِ ليسَ لَهُ سِنَامُ

أو سفه في نفسه، فنصب بنزع الخافض. والمستثنى في محل الرفع على المختار بدلاً من الضمير في يرغب لأنه في معنى النفي. {وَلَقَدِ اصطفيناه فِي الدنيا وَإِنَّهُ في الآخرة لَمِنَ الصالحين} حجة وبيان لذلك، فإن من كان صفوة العباد في الدنيا مشهوداً له بالاستقامة والصلاح يوم القيامة، كان حقيقاً بالاتباع له لا يرغب عنه إلا سفيه، أو متسفه أذل نفسه بالجهل والإعراض عن النظر.